الحاجة إلى التحقق من المعلومات
أكثر من 700 شخص ماتوا في إيران، والعشرات فقدوا بصرهم أو عانوا من مشاكل في العينين بسبب شربهم للميتانول (السبيرتو) للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، بعدما وصلتهم مقاطع وأخبار مضللة على مواقع التواصل أكدت فعاليته في القضاء على الفيروس داخل الجسم!.
أكثر من 29 شخصاً ماتوا حرقاً في الهند بسبب شائعة كاذبة انتشرت على وسائل التواصل، ادعت ارتباطهم بمجموعات تخطف الأطفال لبيع أعضائهم، ورجلين في المكسيك قُتلوا حرقاً بشائعة مشابهة.
كل ذلك كان قبل أن يتحقق أي شخص ويعلم أنه لا علاقة لهم بالشائعة التي مصدرها خيال الناشر الأول!
يقول خوسيه جيل، نائب وزير المعلومات والاستخبارات الإلكترونية في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي حول ضرورة مواجهة المعلومات الكاذبة:
“نعتقد أنه من بين كل 10 جرائم ، 9 منها تستخدام فيها التكنولوجيا”، وأضاف “يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تغيير المجتمع من خلال نشر معلومات كاذبة يعتبرها الكثير منا صادقة، لأنها مرسلة من قبل أشخاص نثق بهم”، وأردف أيضاً “يحتاج المجتمع حقًا إلى تقييم ما هو حقيقي وما هو خطأ ، وتحديد ما هو جدير بالثقة وما هو غير ذلك”.
تتضح الحاجة إلى التحقق من المعلومات من خلال النظر إلى العواقب والأضرار الناتجة عن انتشار هكذا شائعات وأخبار ضارة وخطيرة، كما تكمن فيها الإجابة على الذي يقللون من قيمة هذه الحاجة.
فلو كان لهؤلاء الأشخاص وعي كافي يدفعهم للتحقق من هذه المعلومة ما كانوا ليصدقوها، وما أدت إلى وفاتهم أو وفاة الأبرياء منهم، فهم أيضاً يحتاجون إلى من يساعدهم للوصول إلى المعلومة الصحيحة، ويدحض المعلومات الخاطئة التي لديهم.
وسواء أكان الناشرون ساهموا في نشر هذه الأخبار عن قصد، سعياً للحصول على المنفعة، أم بدون قصد، بسبب السرعة والتساهل أو عدم المعرفة الكاملة -هي في الغالب ما يجعل الناس تقع في فخ الأخبار الكاذبة-، لابد من مواجهة الأطراف التي تسعى إلى نشر الأخبار والمعلومات المضللة وخصوصاً تلك التي تؤدي إلى تهديد حياة الناس.
والتحقق من المعلومات أو تقصي الحقائق (Fact Checking)، وهو مصطلح يدل على نشر الوعي ودحض المعلومات الخاطئة، فالجهل وقلة الوعي هما السببان الرئيسيان لانتشار الأخبار الكاذبة بين الناس، والجهل لا يعني عدم العلم، وإنما الاعتقاد بمعلومات مغلوطة.
وعلى الإنترنت بدأ الأمر بأشخاص شغوفين بمساعدة الغير ونشر الخير ونبذ الضير، يسعون بكل طاقتهم إلى توضيح الحقائق للناس من حولهم.
ولأن اليد الواحدة لا تصفق، ولكي يكون العمل منظماً، تجمع المهتمون ظهرت الفرق والمنصات المتخصصة في التحقق من المحتوى المنشور عبر الانترنت على شكل مبادرات تطوعية ومن ثم منظمات غير ربحية، تعمل على رصد الأخبار المتداولة على مدار الساعة وتصحيح الزائف منها، على سبيل المثال: موقع Snopes الشهير، ومبادرة متصدقش المصرية.
ولكي لا يكون لها دور في تضليل الناس عبر نشر الأخبار الكاذبة، بدأت وسائل الإعلام -الاحترافية إن صح التعبير- حول العالم بإنشاء فرق داخل مؤسساتها تعمل على التحقق من الأخبار الواردة إليها قبل نشرها إلى العامة، مثل فرق التحقق في وكالتي أسوشيتد برس ورويترز، منصات التحقق التابعة لوكالة الصحافة الفرنسية AFP، ومؤخراً وكالة سند التابعة لشبكة الجزيرة.
وببساطة، التحقق هو طريقة تفكير وآلية بحث، قد يظن البعض معرفة استخدام الأدوات، إلا أن ذلك ليس صحيحاً، فالأدوات وسائل تستبدل بغيرها، أو قد لا تحتاجها خلال التحقق، فالمهم هنا هو العقلية وطريقة التفكير التي ستقودك في النهاية خلال بحثك إلى الحقيقة.