فكر

الكذب على مستوى وسائل الإعلام

يقود الفضول الإنسان بطبيعته إلى معرفة كل ما هو جديد يحصل حوله، ومنذ القدم وفي المجتمعات الصغيرة كان هناك أشخاص مشهورين بكونهم على اطلاع واسع، أشبه بالحكواتي أو أم زكي في مسلسل باب الحارة.

فهم طوال النهار من مكان لآخر وزيارات لهذا وذاك…

وكل أفراد هذا المجتمع ينتظرون قدوم هذا الشخص حتى يعرفوا ما الذي استجد في بين الناس، ويعتبر هذا من الأمثلة البسيطة لوسائل الإعلام.

ومع الوقت أصبح من الصعب لهذا الشخص أن يتابع المستجدات بسبب تطور المجتمعات واتساع المساحات التي تغطيها، ما أدى إلى ظهور الصحف والجرائد والمؤسسات الإعلامية التي تنشر الأخبار عما يحدث في هذا العالم، وبالتالي ظهور الصحفي الذي يعيش بين الناس ويتابع أحوالهم وأخبارهم وينقلها للوسيلة التي يعمل فيها.

استمر هذا الوضع دون أن يطرأ عليه أي تغير واضح لفترة طويلة من الزمن، إلى أن ظهر الإنترنت وسبب ثورة معلوماتية غيرت وجه العالم، وأثرت على جميع جوانب الحياة، ومنها طرق تبادل الأخبار بين الناس (الصحافة الرقمية)، فظهرت المواقع الإخبارية وجلبت الأخبار من شتى أصقاع الأرض، ومن ثم الصفحات الإخبارية على مواقع التواصل الإجتماعي

وتغيرت سلوكيات الأفراد، واعتمدوا بشكل شبه كلي على الكتب الإلكترونية، وأصبح من النادر أن تجد أحداً لا يزال يقرأ ويتابع المجلات أو الصحف الورقية (على الرغم من مزاياها الكثيرة مقارنة بالكتب الإلكترونية، للأسف يُنظر الآن لهذا الشخص على أنه من القرن الماضي).

وكما لهذه المؤسسات من منافع جمة للأفراد والمجتمعات على حد سواء، تسعى المؤسسات إلى تحقيق منافع لها هي أيضاً من وراء شهرتها وتأثيرها على متابعيها، كما عرفنا في مقال سابق “لماذا يكذب الناس على الانترنت؟“.

فالصحفي نفسه وجميع العاملين في المؤسسات الإعلامية بشر، يكسبون عاداتهم وتقاليدهم من مجتمعاتهم، لم يأتوا من كوكب آخر، والكل عينه على منفعته، وهذا يجعله ينتقي من المعلومات ما يخدم سياسته فقط في سبيل تسويق رؤيته الخاصة.

وهذا ما يدفع وسائل الإعلام إلى الكذب في بعض الأحيان، أو ذكر الحقيقة منقوصة أو مجتزءة، وهو تضليل لا يقل سوءً عن الكذب، ولنا حديث قادم عن التضليل وأنواعه.

فالأخبار الكاذبة الآن تتم وفق نظم ممنهجة، هدفها الأول خدمة مطلقيها، حتى عنصر حسن النية لم يعد متوفراً -في معظم الأحيان-، لأن مبدأ تحري الصدق لم يعد موجوداً من الأساس -لدى السواد الأعظم-، ويظهر ذلك جلياً في الأزمات، فتنشر الوكالات ما يخدم مصالحها، وتغض الطرف عما يخالف السياسة ويقلل المنفعة.

وذكرنا في وقت سابق أن الكذب مباح في حالات ضيقة، إلا أن ما زاد على حده انقلب ضده، فقد يؤدي نشر الأخبار المضللة إلى إشعـ.ال الكر|هية والتحريض على العنـــ،،ــف، وما إلى ذلك من أمور لا تحمد عقباها.

وهو ما نحاول القضاء عليه (الأخبار الكاذبة) من خلال تحسين نظرة القارئ لما ينشر في الصحف والوكالات الإخبارية، المشهورة منها والمغمورة، كلها دون استثناء.

وعدم الاكتفاء بالعناوين العريضة وقراءة ما بين السطور واستكشاف الأفكار والمشاعر ترغب الوسيلة الإعلامية بالترويج لها وبثها بين الناس.

وأخيراً يخطر في بالنا سؤال: بناءً على ما سبق، هل يوجد مؤسسة إعلامية موثوقة ومحايدة يمكن الإعتماد عليها وحدها في متابعة الأخبار؟

لن أسمي أية مؤسسة، وذلك لأن جميعها دون استثناء لها سياسة قائمة ونظرة معينة ترغب في تعميمها على المتابعين.

ولا أنصح بمتابعة وكالة واحدة دون غيرها، فبذلك تصبح كمن ينظر إلى الشيء من طرف واحد وبعين واحدة وهذا ليس كافياً لفهمه كما هو في حقيقته (تخيل النظر إلى الجدار من طرف يبدو وكأنه عمود!).

كما تتدخل الحكومات والدول في هذه السياسات، وهذا ما أشرنا إليه في مقال الكذب على مستوى الدول.

فتنويع المصادر هي واحدة من أهم الخطوات نحو فهم كامل وواضح لمجريات الخبر المقصود دون زيادة أو نقصان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى