لا تصدق كل ما تجده على الإنترنت!
“يبتلع الإنسان العادي ثمانية عناكب سنوياً بعد دخولها فمه أثناء نومه”
ما سبق واحدة من أشهر الشائعات التي انتشرت على الإنترنت أوائل القرن الحادي والعشرين، والتي كان لها أثرها على الناس على نطاق واسع.
وكعادتهم، نشر محررو موقع (Snopes) مقالاً فندوا فيه هذه الشائعة وبيّنوا زيفها وعدم ارتكازها على أي دليل علمي يدعمها، و(Snopes) هو موقع أمريكي معروف، يعتبر من أكثر المواقع موثوقيةً على الإنترنت، ومن أقدم المواقع المتخصصة في تدقيق الحقائق ودحض الشائعات المتداولة بين الناس.
أشار الموقع في رده إلى مُطلق الشرارة الأولى لهذه الشائعة، وهي كاتبة عامود تدعى (Lisa Birgit Holst) في مجلة (PC Professional) والتي كتبت مقالاً عام 1993 عنوانه “القراءة هي التصديق”، تحدثت فيه عن قوائم “الحقائق” المنتشرة في كل مكان، ومدى سهولة تصديقها من قبل المستلمين.
ولإثبات وجهة نظرها -وفقاً لرواية (Snopes)- قدمت (Holst) قائمتها المختلقة من “الحقائق”، من بينها الإحصائية المذكورة آنفاً، حول متوسط عدد العناكب التي يبتلعها الشخص سنوياً، والتي أخذتها من كتاب مطبوع عام 1954، تضمن مجموعة من المعتقدات الخاطئة الشائعة عن الحشرات، والمفارقة هنا هي أن نشر (Holst) لهذه “الحقيقة” الزائفة أدى إلى تداولها بشكل أوسع لتصبح واحدة من أكثر المعلومات المضللة انتشاراً على نطاق واسع على الإنترنت.
بعد نشر موقع (Snopes) هذا الرد، تملك الفضول بعض القراء لمعرفة من هي هذه الكاتبة، وهل لها أية مقالات أو إصدارات مشابهة لهذه التجربة، ومن هنا بدأت الأحداث تأخذ منحاً تشويقياً زاد في فضول هؤلاء كلما بحثوا أكثر عن حقيقة هذه الكاتبة.
كان منهم الشاب السويدي (ديفيد وانجستيدت) المعروف على الإنترنت باسم (LEMMINO) الذي تتبع خيوط الحقيقة وراء مقال (Snopes) المثير للفضول ليصل لتلك النتيجة الصادمة.
بدايةً استعرض الشاب المصادر التي أرفقها محررو (Snopes) نهاية المقال كعادتهم، وبدأ بالتحقق من صحتها واحداً تلو الآخر، إلى أن وصل إلى المصدر الذي اقتنبست منه الكاتبة شائعة العناكب، وهو كتاب (Insects Facts and Folklore)، والذي لم يتضمن أي معلومة تفيد بأن الإنسان يبلع العناكب خلال نومه، ما زاد من حيرته.
انتقل الشاب إلى المصدر التالي، والذي لم يذكر أي دليل يوصل إلى تلك الكاتبة أو المصدر الأول لهذه الشائعة.
وفي المصدر الثالث، وهو مجلة (PC Professional) المزعومة، سعى الشاب إلى البحث عن إصدارات هذه المجلة فلم يجد أي مجلة بهذا الاسم في أمريكا، وبالمثل لم يجد أي دليل يوصل لتلك الكاتبة المريبة أيضاً، ما دفعه للبحث عن مجلات مشابهة في بلدان أخرى.
بعد بحثٍ طويل وصل إلى 5 مجلات تحمل نفس الاسم -تقريباً-، إلا أن اثنين منها ليس لها إصدارات عام 1993، والثالثة لم تُنشر إلا لعددين وتوقفت، وأُخرتين ألمانية وإيطالية، وهنا تأكد من أن المجلة الألمانية هي المرشح الأفضل، لسببين أولهما أن كنية الكاتبة (Holst) أصله ألماني، ولأن هذه هي النسخة الألمانية الرسمية من مجلة (PC Magazine) الأمريكية.
وبعدما حصل على نسخة مصورة من تلك المجلة ولنفس العدد وجد أنها لم تحتوي على أي كلام يتعلق بتلك الشائعة، ولا أي كلام عن تلك الكاتبة، ما جعله يشك بالفعل برواية موقع (Snopes) فهل اقتبس محررو الموقع من مصادر غير حقيقية، أم أنهم أضافوا معلومات غير صحيحة عمداً إلى ذلك المقال؟.
تابع الشاب البحث إلى أن وجد أحدهم قد سبق وتحقق من هذا الادعاء وتبين له أن اسم الكاتبة (Lisa Birgit Holst) ما هو إلا اسم اعتباطي، وعند ترتيب الأحرف نجد أنه يشكل جملة (tHis is a Big troLl) أي أنها خدعة كبرى!.
هذه النتيجة بقيت قيد الشك إلى أن نشر موقع (Snopes) في آب/أغسطس العام الماضي -أي بعد نشر هذه الخدعة بـ 20 عاماً- مقالاً بيّن صحة هذه النتيجة، وبأنهم لفقوا شخصية الكاتبة واعتبروها “غمزة” للقراء القدامى الذين كانوا على دراية بالتصيد الذي شارك فيه الموقع خلال الأيام الأولى للإنترنت، وأشاروا إلى أنهم ليسوا المصدر الأول لشائعة العناكب.
نستخلص من هذه القصة الشيقة أن على القارئ النظر بعين الناقد حتى مع المواقع التي تبدو وكأنها موثوقة، فلربما وقعت هي ذاتها بفخ التضليل، وبضرورة العودة إلى المصادر المرافقة لكل مادة أو مقال تنشره، والسؤال عنها إن لم تذكر.