لمَ يكذب الناس؟!
“أعتذر لن أكون معكم اليوم بسبب ظرف طارئ حصل معي”
هذه العبارة إحدى أكثر الأمثلة التي نصادفها في حياتنا ولا أعتقد أن أحداً لم يسمع هذا الرد، ووارد أن صاحبه يكذب وحتى لو شرح ما هو الظرف، هناك احتمال أن يوجد سبب آخر منعه من الحضور.
طيب لماذا؟
مع أن القيم والأخلاق والأديان تحذر منه وتذم الكاذبين، مازلت تلاقي الناس تكذب!، فهو سؤال سهل وصعب في نفس الوقت، وهناك أسباب كثيرة -لا تكاد تحصى- تجعل الناس تكذب، لذا دعونا نحلل الموضوع لعلنا نصل إلى إجابة.
في البداية، ما هو الكذب؟
يعرف الكذب بأنّه القول المخالف لحقيقة الأمر والواقع، فعندما يقال كذب فلان على فلان فهذا يعني أنّه تكلّم معه بحديثٍ لا يمتّ للواقع بصلة، وهو عكس الصدق.
هل كل الناس تكذب؟
الإجابة المختصرة: نعم، كل الناس تكذب، حتى أنا، وسأكون كاذب إن أنكرت أنني لم أكذب في حياتي (وأنت أيضاً أيها القارئ العزيز، لا تزعل)
الإجابة المطولة: على حسب، حسب ماذا؟ حسب عدة عوامل
الإنسان يتعرض خلال يومه العادي لعشرات المواقف إذا لم يكونوا مئات، فيحتاج إلى الكذب في بعض الحالات حتى يبعد عن نفسه النظرة السلبية أو الضرر أو ليستفيد من الموقف، والمثال الذي بدأنا فيه يوضح هذه النقطة.
فالكذب يَفرق من شخص لآخر، تلاقي أحداً معروفاً باللف والدوران، وآخر مؤدب وكلامه موزون.
ومن هذا المنطلق ننتقل للسؤال الذي يليه، هل يعتبر الكذب درجة وحدة؟ يا صادق يا كاذب؟
لا، فالكذب يتدرج بالخطورة ويفرق بالكم والنوع، يفرق من شخص لآخر، حسب عمره ومنصبه ومكانته في المجتمع الذي يعيش فيه، وكلما كبرت قيمته، كان لكلامه الأثر الأكبر.
وحسب المجال الذي كذب فيه، فالكاذب على سبيل المزاح يفرق عمن يكذب في الطب ويهدد حياة الناس.
وفي المجال الذي سنركز عليه (التحقق من المعلومات في الفضاء الرقمي) هناك منهجيات لتصنيف الادعاءات الكاذبة، تحدثنا عنها في مقال تقييم الادعاءات
هل يمكن أن يكون الكذب مفيداً؟
نعم في بعض الحالات وفي حدود ضيقة، وهذا أمر من المهم توضيحه، نعم ممكن أن يكون الكذب مفيداً، لكن ليس دائماً، فالكذب ليس منبوذاً بعينه، بل الضرر الذي من الممكن أن يسببه للطرف الآخر
فهو محمود للإصلاح بين المتخاصمين والتقريب فيما بينهم، وفي الحروب أيضاً، فلا مانع من الكذب الذي فيه مصلحة للشعب، ولا يكون فيه خداع ولا غدر.
والأطفال في سنين عمرهم الأولى، الكذب عندهم يتجاوز غاية إخفاء الخطأ، فالطفل لما يكذب يقوم بعملية عقلية متكاملة (من الاستفادة من الذاكرة وتحليل الوضع إلى السيطرة على النفس) لكي يخالف الوضع الطبيعي الذي كان عليه، فهو يساهم في تنمية القدرات العقلية للطفل.
فالكذب هنا علامة تطور صحية، وهنا يبرز دور الأهل في تطوير والاستفادة من مهارات الطفل بالشكل الإيجابي، مع ضرورة التحذير من خطورة تطور الأمر حتى لا يصبح عادة لديه.
فما سبق من توضيح يوصلنا لجواب السؤال الأول “لمَ يكذب الناس؟!”
من أجل المنفعة الشخصية، سواء دفع الضرر بأشكاله، أو جلب المنفعة بأشكالها.
وختاماً، إذا كان الإنسان يكره أن يُكذب عليه، وأن يخدع باعتذارات زائفة، يجب أن يكره الكذب على غيره، بناءً على القاعدة المعروفة: “عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به”.