فكر

لمَ يكذب الناس على الإنترنت؟

في فترة سابقة، انتشر خبر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي عن طفل سوري لم يتجاوز عمره 10 سنوات حصل على لقب بطل العالم وأوروبا بـ”مهارة معينة” خلال أقل من سنة على تعلمه لهذه المهارة!.

قرأت الخبر وشككت فيه، خاصةً أن هذه “المهارة” مشهورة جداً باليابان!

بدأت أتتبع آثاره حتى أعرف الحقيقة، بحثت بدايةً عن حساب الطفل ووجدت الشهادة التي أخذها وادعوا أنها شهادة دولية، كما وجدت حساب المدربة واطلعت على حسابها، فإذا بها تحمل “دكتوراه فخرية”.

وسيكون لنا حديث إن شاء الله عن سحر حرف الدال ” د. ” والدكتوراه الفخرية و الفرق بين الدكتور والطبيب.

تابعت البحث عن الجمعية المنظمة للمسابقة، ووجدت موقعاً لها على الانترنت وصفحة على فيسبوك، وفعلاً كان هناك جمعية في “بلد آسيوي” نظمت هذه المسابقة المغمورة.

اطلعت على النتائج وهنا المفاجأة!

بحسب قوانين المسابقة، تفرز النتائج النهائية أفضل عشرة مشاركين (top 10) وكلهم نفس المرتبة، فلا أولُ هنا ولا ثاني، وأيضاً الطفل المقصود ليس منهم، كان مجرد مشارك ولم يكن من الأوائل!.

وكان مكتوب في الشهادة أنه حصل على المرتبة الثالثة بمستواه، وخرج فيما بعد بمراحل التصفيات.

بحثت لأرى هل هي فعلاً مسابقة معتبرة؟ فوجدت أنها مسابقة مغمورة لا تكاد تعرف، وسميت “عالمية” لمجرد أن المتسابقين من دول مختلفة، ووجدت أيضاَ مسابقة عالمية أشهر منها بكثير ينظمها إتحاد عالمي خاص بها، وتأجلت بسبب جائحة كورونا، واليابانيين مسيطرين على الصدارة فيها فعلاً متل ما توقعت!

وأيضاً لم يكن بطل أوروبا، وكما سابقتها، وجدت الشهادة في حساب الطفل –المدار من قبل ذويه- وبحثت عن المركز والمسابقة، وإذ بي أكتشف أن المسابقة منظمة من قبل مركز أسسه عرب (غالباً سوريون) في ألمانيا، أجروا مسابقة عبر تطبيق زووم وأضافوا كلمة “euro” لإعطاءها صفة أوروبية، وهي حقيقةً لا على مستوى أوروبا ولا على أدنى من ذلك.

وأيضاً لم يكن الطفل فائزاً فيها، حاز على المركز الثالث في المرحلة الأولى في التصنيف حسب عمره.

ما سبق يطلق في أذهننا أسئلة عدة: لمَ كذَب الأهلُ والمعنيين بخصوص النتائج؟

ولماذا صدقت وسائل الإعلام هذه الكذبة وساهمت بانتشارها أكثر وأكثر دون تحقق؟

هذه الأسئلة تجعلنا نفكر “لمَ يكذب الناس على الإنترنت؟”

بالتأكيد أسباب الكذب على الإنترنت يمكن استخلاصها من الأسباب العامة للكذب، وهي أسباب عرفناها في مقال سابق أجبنا فيه على سؤال “لمَ يكذب الناس؟”

ولكي نكون واضحين أكثر بالإجابة، سنفصل كلمة “الناس” إلى مستخدمين عاديين (أفراد ومجتمعات) – ووكالات إخبارية (مؤسسات).

في عالم الصحافة الرقمية، العلاقة بين الاثنين علاقة تبادلية، كل واحد يعتبر مصدر أخبار للآخر، علاقة تجعل الطرفين في بعض الأحيان يستعينوا بالكذب كي يحققوا المنفعة لهم، فالمنفعة للفرد هنا هي التسويق للنفس وللأفكار التي يتبناها ونقد الأفكار المضادة، ويصل الأمر إلى تشويهها بالتلاعب بالحقائق أو نشرها مجتزأة وغير كاملة.

وبالمثل بالنسبة للمجتمعات ولكن بشكل أوسع، فكل جماعة تتبنى فكر معين تسعى إلى الترويج له ودعمه بكل الوسائل المتاحة، حتى إن تطلب الأمر الكذب والتضليل.

والمنفعة للمؤسسات الاعلامية تتمثل بزيادة المنفعة المادية من خلال زيادة الأرباح الناتجة عن الإعلانات والرعايات، والمنفعة المعنوية من خلال دعم توجهاتها وخلفياتها (السياسية – الدينية – الفكرية …الخ).

والآن سؤالي لكم: هل هناك دوافع أخرى تجعل الأفراد يخترعوا أو يشاركوا أخبار كاذبة أو غير دقيقة عن قصد أو بدون قصد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى